نعال رسول الله نعال نعلو بذكرها

على مر العصور تفنن المغاربة في التعبير عن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآل بيته الطاهرين، وإيلاء الأشراف منزلة الوقار والتعظيم، أبدعوا في إظهار شوقهم له ولزيارة روضته الشريفة الغراء، والارتماء بين أحضانها وتنسم روائحها العبقة الزكية، والصلاة فوق سجادها الأخضر والتضرع إلى الله فيها بالدعاء والبكاء، والتنور بنور المصطفى عليه السلام الذي سطع وتلألأ في الوجود، والاستغفار بين يديه من الذنوب والزلات، والإكثار من الصلاة والسلام عليه.
كان الحجاج المغاربة وما زالوا يحملون معهم رسائل الشوق لمولانا رسول الله ممن لم يؤذن لهم بعد بزيارته، أو الذين سبق أن من الله عليهم بعمرة أو حجة لتلك البقاع الطاهرة لكن قلوبهم وعقولهم جذبتها مغناطيسية جنابه الشريف، وتاهت في بديع أسراره، وأسرت في جمال هيبته وجلال قدره، يكتبونها بدموع المُقل وحُرقة الوجد ولوعة الشوق، يظهرون فيها حبهم لمعشوقهم ولمدينته المنورة طيبة ولأهلها الطيبين، يلتمسون بركة الدعاء من الزائرين، ويوصون بتبليغ سلامهم ويلحون في ذكر أسمائهم بالمقام العظيم، في حضرة نور الأنوار الرحمة المهداة عليه أفضل وأزكى الصلاة والسلام.
حذق المغاربة في التعبير عن أحاسيسهم الجياشة اتجاه نبيهم الكريم الذي أنقذهم من الضلالة إلى الهداية وأخرجهم من الظلمات إلى النور حالا ومقاما، نثرا وشعرا، ألفوا كتبا في مدح شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه العطرة الزكية، ووصف صفاته الخُلقية والخِلقية، وجماله المشرق البهي، ومعجزاته وكراماته وغزواته وفتوحاته، وبحر جوده وكرمه وعفوه وإحسانه وحلمه وأناته. تغنوا ببهاء القبة الخضراء التي فتنت كل الناظرين إليها، تحدثوا عن الآداب التي ينبغي احترامها عند دخول المدينة المنورة والحرم النبوي وزيارة مولانا رسول الله والوقوف في حضرته الشريفة والجلوس بين يديه.
ومن أروع ما خطت أناملهم كتبا ومخطوطات تحدثت عن نعال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بينوا مواصفاتها وقدرها وجمالها ورسموا لها رسومات وتوسلوا بها عند اشتداد الخطوب والمصائب كما فعل الشرفاء الطاهريون الحسنيون الصقليون في مدينة فاس، عندما حلت فتنة أهلية بالمدينة قدموا إحدى الفردتين الناذرتين مكرهين للمولى إسماعيل ليشفع فيهم، فبنى لها قبة مزخرفة في قصره سماها “قٌبة النعال”.
ونذكر في هذا الباب الإمام أحمد بن يحيى المقري التلمساني رحمه الله الذي كتب عدة مصنفات منها: “النفحات العنبرية في وصف نعال خير البرية”، وكتاب “نفحات العنبر في وصف نعل ذي العلاء والعنبر”، ونخص بالذكر مؤلفه الشهير “فتح المتعال في مدح النعال” الذي فصل فيه الحديث عن نعال رسول الله تأصيلا من الأحاديث النبوية الشريفة، وبيّن ما أورده التاريخ فيها وخط رسومات نموذجية لها وفق ما روي من أحاديث، وأيضا استشهد ببعض الأشعار التي نظمت حولها. ولا يفوتني في هذا الصدد أن أشير إلى نوع رائع من القصائد الذي اشتهر في الأدب المغربي يسمى بالنعليات؛ وهي قصائد شعرية جعلت غرضها الأساس هو مدح ووصف نعاله صلى الله عليه وسلم.
أحب المغاربة نعال رسول الله وعظموا قدرها وحذوا حذو الصالحين من هذه الأمة في تعاملهم مع آثار سيدنا محمد عليه السلام، نقل عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال لطلابه في درس تحدث فيه عن وصف الرسول صلى الله عليه السلام، عندما وصل للحديث عن نعل النبي “كان له نعل نعلو بذكره”، فسأله أحد تلامذته: كيف نعلو بذكر النعل أيها الإمام؟ فأجاب: “نعلٌ لم يؤمر صاحبه بخلعه في السماوات العلا ليلة المعراج، وأُمِرَ موسى بخلعه وهو على الأرض فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [1] إذاً هو نعلٌ نعلو بذكره”.
أورد الإمام الترمذي في كتاب الشمائل المحمدية جملة من الأحاديث المروية عن أنس رضي الله عنه يصف فيها نعال رسول الله ﷺ منها قوله: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال لابن عمر: رأيتك تلبس النعال السبتية، قال: “إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها” [2]. لله ذرك سيدي أنس بن مالك ورضي عنك، كنت مثالا ساطعا للخدمة المتفانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأهله، المحب لخليله والمتبع له في كل شيء حتى في نوع النعال التي كان ينتعلها عليه السلام.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد النبي المختار، وعلى آله الطيبين الأطهار، واجعلنا من أحبابه المحسنين الأخيار، وارزقنا صدق ودوام اتباع سنته الشريفة وخصنا بالقرب من جنابه الشريف المعطار، واربطنا بسلك أوليائه الكمل الوارثين لنوره المشع في الأقطار، وحقق فينا بشارة إخوانه الذين اشتاق إليهم واشتاقوا إليه ليل نهار. اللهم آمين يا رب العالمين.
[1] سورة: طه، الآية: 12.
[2] كتاب الشمائل المحمدية، باب ما جاء في نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 79.