كيف نجنب أبناءنا الانحرافات الأخلاقية؟

بقلم: إحسان حرور
الأبناء هدية من الله سبحانه وتعالى، لذا وصانا ديننا الحنيف بالاعتناء بهم أشد اعتناء. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا باستقرار الينبوع العذب الذي تسري فيه كل معاني الود والرحمة؛ الأسرة. ونظرا للمخاطر الأخلاقية الجمة التي أصبحت تواجه أبناءنا في عصرنا الحالي، عنَّ لنا أن نتناول الموضوع في محورين: الأول: أسباب الانحراف عند الأولاد، والثاني: القواعد التربوية التي يمكننا اتباعها في حياتنا اليومية لتجنب هذه المخاطر.
أسباب الانحراف عند الأولاد
الابن يخفي بين طياته أسرارا إيجابية وأخرى سلبية؛ يمكن أن يكتشفها المربي من خلال أنماط معينة من السلوك يلجا إليها للتعبير عن دواخله، فقد يسعى لجذب انتباه الآخرين وجعلهم مشغولين بقضاياه، وقد يضطر، أحيانا، إلى الصراع من أجل السلطة والسيطرة، وقد يحاول تدبير أمره بنفسه في أوقات أخرى، وقد يصير به الأمر إلى الانتقام من خلال سعيه إلى إيلام الآخرين وإزعاجهم، فإن لم تحقق كل هذه السبل مسعاه فقد يضطر إلى إظهار العجز والفشل من خلال الاستسلام، وبهذا يكون قد أعلن ناقوس الخطر.
لذلك كان من الضروري ملاحظة سلوك الأبناء وتقييمه في سن مبكرة كي يتسنى للآباء تعديله قبل أن ينصاعوا لصحبة خطيرة تدلهم على ممارسة شتى ألوان الانحرافات الأخلاقية والسلوكية وتعينهم عليها؛ تبدأ بالتيه بين مجالسة رفقاء السوء و.. ثم تنتهي بالتطبع بقيمهم الرديئة.
هذه الحلقة المغلقة يفسرها بعض العلماء المختصين في علم النفس الاجتماعي أنها نتيجة علاقة تأثير وتأثر لاشعورية من داخل وسط اجتماعي معين. وهي أصل أصيل في ديننا الحنيف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وفي حديث آخر: “إنما مثيل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة” متفق عليه.
وبالتالي فإن عملية التنشئة الاجتماعية هي المسؤولة عن سلوك الفرد؛ استقامة أو انحرافا. كما أن مشاهدة الأبناء لبعض البرامج العنيفة والعدوانية والمنحرفة سواء على التلفزة أو الانترنيت تؤدي بهم إلى تقمص تلك الشخصيات خلال مزاولتهم لأنشطتهم اليومية دون إدراكهم الحسي لذلك.
وسنام الأمر كله مجتمع “يعطي التربية المقام الأول ليأْجُرَ الأم المربية “منتجة” الإنسان أفضلَ ما يأْجُر العاملين”(1)، كي لا تصرفها نوازل الدهر عن وظيفتها الأساس، تربية الأبناء.
نصائح ذهبية لتجنيب أولادنا مخاطر الانحراف
لتجنب المصاعب التي يمكن أن تعرض أبنائك لخطر الانحراف، إليك عزيزي/عزيزتي المربي/المربية بعض النصائح الذهبية التي تعينك على ذلك:
– الاستقرار الأسري: قال عز وجل لتسكنوا إليها، وما السكن إلا استقرار وهدوء وراحة بال واطمئنان، لذلك دعا إسلامنا الحنيف إلى الإحسان في العلاقة الزوجية، وجعل المعاملة الحسنة السبيل الأمثل لتوازن الأسرة وسعادتها. ففي حديث رواه الترمذي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها عن سيدنا الحبيب عليه أفضل الصلاة و السلام: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. لذلك وجب علينا الحرص على الاهتمام بفلذات أكبادنا قبل أن تضيع من بين أيدينا، كي نكون خير خلف لخير سلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: “كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته” رواه البخاري ومسلم.
– غرس القيم النبيلة وحسن الخلق في أبنائنا منذ نعومة أظفارهم: من خلال تحفيزهم للقيام بالأعمال الاجتماعية كزيارة دور الأيتام والعجزة وغيرها… لما لها من دروس بليغة الأثر في نفسية الطفل؛ وغرس قيم البذل، والإيثار، واحترام الكبير وتوقير الصغير، واستشعار النعم.. فيهم.
وحث ديننا الكريم على حسن المعاملة مع كل الناس؛ قال الله عز وجل: وقولوا للناس حسنا (الآية 83 سورة البقرة) بدءا بالمقربين؛ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الآية 90 من سورة النحل). هذه البيئة السليمة التي تحيط بالأبناء من شأنها تفعيل هذه القيم في سلوكياتهم، إضافة إلى توفير قدوة صالحة يتمثلونها في حياتهم.
– تعديل السلوك: وذلك بملء أوقات الابن بأنشطة من شأنها أن تشغل وقته وتصرف انتباهه إلى أمور قبيحة، ومن ذلك؛ حفظ القرآن، التسجيل في نوادٍ رياضية أو تلك التي تعنى بصقل بعض المهارات والمواهب، المطالعة، التعويد على الصيام، لما فيه من منافع جسدية وذهنية ونفسية؛ مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال: “صوموا تصحوا”..
– التجديد في أسلوب التربية تماشيا مع المراحل العمرية التي يمر بها الأبناء، من مصاحبة في الصغر وزرع للثقة، ومتابعة عن بعد في المراحل المتقدمة، مع تقويم إيجابي، بعيدا عن النقد الجارح، بين الحين والآخر مما يساهم في إنتاج شخصية قوية، ومشاركتهم في بعض الأنشطة المحببة لديهم..
– ويبقى أهم ما يمكن أن تقدمه لطفلك في جميع مراحل عمره هو الحب، والإشباع العاطفي، والحنان العذب كي لا يبحث عنه في الخارج، وقد يكون خارج الشرع، فـ”لا نعيم كالقرب من الأبناء، ولا لهو كاللعب معهم، فلذة الكبد وثمرة الفؤاد ونبض القلب… رياحينٌ لا تمل شمَّها، وصدورٌ لا تسأم عناقها”(2).
خاتمة
الأسرة الصالحة هي اللبنة الأولى والدّعامة الأساسيّة في بناء المجتمع. فالأسرة خير من يزرع الورود ويسقيها بمعاني الحب والوفاء، فتفوح رائحتها بالمسك والريحان، وتنتج شبابا صالحين تصلح بهم هذه الأمة بإذن الله، كأمثال خالد بن الوليد وغيره ممن صنعوا لنا التاريخ وهم في ريعان شبابهم. قال الإمام المجدد عبد السلام ياسين في أحد مجالسه: “الأبناء كنوز يجب أن نغرس في روحهم الإيمان والأخلاق الطيبة كي نجعلهم من المؤمنين الصالحين”.
(1) عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج2، ص362.
(2) خالد بن صالح المنيف، كتاب “أفكار تحيا بها”، ص 222.