فيما روي عن السلف والأئمة من محبتهم للنبي ﷺ وشوقهم له

حدثنا القاضي الشَّهيد، حدثنا العُذريّ، حدثنا الرازيّ، حدثنا الجَلُودي، حدثنا ابن سُفْيان، حدثنا مُسْلم، حدثنا قُتَيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن سُهَيل، عن أبيه، عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “مِن أَشَدِّ أمتي لي حُبّاً ناس يكونون بَعدي، يوَدُّ أَحَدهُم لو رآني بأهله وماله” (1).
ومثلُه عن أبي ذَرّ (2).
وقد تقدم حديثُ عُمر رضي الله عنه، وقولُه للنبي صلى الله عليه وسلم: لأَنْتَ أَحَبُّ إليَّ من نفسي. وما تقدم عن الصحابة في مثله.
وعن عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنه: ما كان أحدٌ أحبَّ إليّ من رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عَبْدَةَ بنت خالد بن مَعْدان؛ قالت: ما كان خالدٌ يَأْوي إلى فراشٍ إلاّ وهو يذكُرُ من شَوْقِه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يُسمِّيهم ويقول: هُم أَصْلي وفَصْلي (3)، وإليهم يحنُّ قَلْبي، طالَ شوقي إليهم، فعجّل ربّ قَبْضي إليك، حتى يَغْلِبَه النَّوْم.
ورُوِي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: والذي بعثكَ بالحق لإسلامُ أبي طالب كان أَقَرَّ لعيني من إسلامِهِ – يعني أباه أبا قُحافة -؛ وذلك أنَّ إسلامَ أبي طالب كان أقر لعينكَ .
ونحوُه عن عُمر بن الخطاب، قاله للعباس رضي الله عنه: أنْ تُسْلمَ أحبُّ إليّ من أن يسلمَ الخطَّابُ؛ لأنَّ ذلك أحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
وعن ابن إسحاق أن امرأةً من الأنصار قُتِل أبوها وأخوها وزوجها يوم أُحُدٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما فَعَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيراً، هو بحَمْدِ الله كما تحبِّين. قالت: أَرُونيه حتى أَنْظُرَ إليه. فلما رأتْه قالت: كلُّ مُصيبةٍ بَعْدَكَ جَلَل (5).
وسُئل عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حُبُّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادِنا وآبائنا وأمَّهاتنا، ومن الماءِ الباردِ على الظَّمإ.
وعن زيد بن أسلم: خرج عُمر رضيَ اللهُ عنه ليلةً يحرُس الناسَ، فرأى مِصْباحاً في بيتٍ، وإذا عجوزٌ تَنْفُش صُوفاً، وتقول:
على محمدٍ صلاةُ الأبرارْ ** صلى عليه الطيِّبونَ الأخيارْ
قد كنتَ قَوَّاماً بُكاً بالأسحار ** يا ليتَ شِعْرِي والمنَايَا أطوارْ
هل تَجْمَعَنِّي وحَبِيبِي الدَّارْ
تعني النبي صلى الله عليه وسلم.
فجلس عُمر رضي الله عنه يَبْكي؛ وفي الحكاية طول (6).
ورُوي أن عبدَ الله بن عُمر خَدِرتْ رِجْلُه، فقيل له: اذكُرْ أحبَّ الناسِ إليك يَزُلْ عنك.
فصاحَ: يا مُحَمَّداه! فانتشرَتْ (7).
ولما احتُضِر بِلالٌ رضي الله عنه نادت امرأتُه: واحُزْناه! فقال: واطَرَباهُ! غدا أَلْقى الأَحِبَّةَ، محمداً وحِزْبه.
[ومثله عن حُذَيفَة بن اليمان رضي الله عنهما].
ويُروى أَنَّ امرأةً قالت لعائشة رضي الله عنها: اكْشِفي لي قَبْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكشفَتْه لها، فبكَتْ حتى ماتت.
ولما أخرج أهلُ مكة زَيْد بن الدَّثِنَةَ من الحَرَم ليقْتُلوه قال له أبو سفيان بن حَرْب: أنْشُدك الله يا زَيْدُ، أَتُحِبُّ أن محمدا الآن عندنا مكانَك تُضْرَبُ عُنُقُه، وإنك في أهلك؟
فقال زيد: والله ما أُحبُّ أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تُصيبُه شَوْكةٌ، وإني جالس في أهلي.
فقال أبو سفيان: ما رأيتُ من الناس أحداً يحبُّ أحداً كَحُبِّ أصحابِ محمدٍّ محمداً!
وعن ابن عباس: كانت المرأةُ إذا أتَت النبي صلى الله عليه وسلم حلَّفها بالله: ما خرجَتْ مِنْ بُغْض زَوجٍ، ولا رَغبةٍ بأرضٍ عن أرضٍ، وما خرجَتْ إلا حبّاً للهِ ورسولهِ (8).
ووقف ابن عُمر على ابن الزُّبير رضي الله عنهما بعد قَتْلِه، فاستغفر له، وقال: كنتَ والله ما علمت صوَّاماً قوَّاماً تُحِبُّ اللهَ ورسوله.
(1) مسلم (2832/12)، تحفة الأشراف (12783).
(2) مسند أحمد (5/156 – رقم 21422).
(3) قوله (أصلي وفصلي): بمعنى الأصل هو الحسب والفصل هو اللسان، ومعنى آخر الأصل هو: الوالد والفصل هو الولد.
(4) مسند البزار (2672)، مختصر زوائد البزار (2010)، مجمع (9/268) وسنده ضعيف.
(5) البيهقي في الدلائل (3/302) عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، والجلل: الهَيِّن.
(6) ابن المبارك في الزهد (362 – 363).
(7) ابن السني في عمل اليوم والليلة (168، 169)، وسندهما ضعيف.
(8) ابن جرير في تفسيره (28/44)، مسند البزار (2272 – كشف)، مجمع (7/123).
من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، للقاضي عياض، ج2، ص19-21. الطبعة الثالثة: 1461هـ – 2001م.