نداء الفطرة

الزواج رباط شرعي مقدس يجمع بين الرجل والمرأة استجابة لنداء الفطرة، به تنمو شجرة البشرية وتزدهر وتتكاثر فروعها وثمارها، ولولاه لجفت هذه الشجرة وأقفرت الدنيا من الحياة والأحياء.
لذلك تفرد الزواج بمكانة خاصة بين الرسالات السماوية، فتزوج الأنبياء لأنهم المثل والقدوة، ودعوا إلى الزواج لكي تبنى أمم وتشيد مجتمعات على العفة والطهارة وسلامة الأنساب.
يقول المولى سبحانه عز وجل في سورة الرعد: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية..من هنا كان للزواج جلاله وقدسيته لما فيه من تحقيق المصالح ودرء المفاسد وعمارة الكون وحفظ النسل.
وكل متزوج له مكانه في شجرة الإنسانية فهو همزة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، إذ جاء هو امتدادا لآبائه وأجداده، وسيكون أبناؤه وأحفاده امتدادا له إن شاء العزيز الوهاب.
والزواج ليس مجرد ارتباط عادي بين رجل وامرأة بل هو في حقيقته امتزاج روحي وترابط وجداني وسكون نفسي..كيف لا والمرأة قطعة من الرجل ومنها يرزقه الله الذرية والخلف مصداقا لقول المولى جل في علاه في سورة النحل: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات..
هي حياة طيبة إذن تملأها المودة والرحمة فيتحقق السكن ويتحقق الإستقرار، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في الصفحة 297 من كتاب العدل: بالمودة والرحمة الحميميين يتميز الزواج المطابق بالقصد والفعل والتوفيق الإلهي للفطرة، وبهما لا بمجرد العقد القانوني يحصل الاستقرار في البيت، وبالاستقرار في البيت يشيع الاستقرار في المجتمع.
وتحت سقف أسرة مستقرة متماسكة يسعى الزوجان إلى تحقيق كمالهما الإنساني والذي لا يكمل إلا في ظل زواج شرعي مقدس تتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعا ربانيا قائما على العدل والإحسان، لا توزيعا قائما على الأنانية وحب الذات وافتعال المعارك وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبات.
وبأداء الأمانة بإخلاص وتحمل المسؤولية بجدية يتربى الرجال وتتربى النساء وتبنى البيوت وتؤسس الأسر وتصلح المجتمعات وترقى الأمم، وقبل هذا وذاك توفيق المولى وعونه مصداقا لكلام الصادق الأمين صلوات ربي وسلامه عليه: “ثلاث حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف” فقط يحتاج الأمر إلى نية صادقة وتوكل على الله وسلامة صدر وصفاء قلب إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا.