محبة الله تعالى

إن حب العبد لربه و حب الرب لعبده هو قطب رحى الدين، وكلما كان العبد أشد إيمانا كان أشد حبا لله، قال تعالى والذين آمنوا أشد حبا لله 8 .
رابطة الحب بين العبد و ربه مغناطيس يجذب ويقرب، ويبلغ المقامات العليا، ولكن السؤال الملح كيف نغذي هذه المحبة في قلوبنا وعقولنا، كيف نجعل مساحة المغناطيس تكبر حتى تملأ كل ذرة من كياننا، فنفنى بوجودنا لنحيا بالله تعالى.
محبة الله حقيقة لا ادعاء وعمل واجتهاد، فمن أين لنا بروافد نزكي بها نهر محبتنا ليصبح نهراعظيم المجرى لا يجف أبدا.
أول هذه الروافد:
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم 9 ، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فان الله لا يحب الكافرين 10 .
لا فاصل بين حب الله و حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حدود للتفاني في محبة الشخص الكريم على الله تعالى حتى يكون أحب إلينا من أنفسنا والناس أجمعين، ومحبته من أجل العبادات التي تقرب العبد من المولى عز وجل. ولا شك أن علينا تجاه سيد الخلق واجبات وحقوقا يفرضها مكانه من الله تعالى فهو أكرم المخلوقات على الاطلاق، وما جاء به من رحمة للعالمين ومن النور المبين الذي أخرج به العباد من الضلالة إلى الهدى ومن الظلمات إلى النور، فاتباعه والذود عن سنته من أجل علامات محبته، والإكثار من ذكره والصلاة عليه والتشوق لرؤيته، وايثاره على كل محبوب: “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والِدِهِ وولَدِهِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ “ 11 ، والثناء عليه بما هو أهله، والتفاني في حب محابه وآل بيته، والتأدب عند ذكره، فهو أهل لكل ذلك صلى الله عليه وسلم، هو الجميل الكامل خلقا وخلقا، قال حسان بن ثابت
وأجمل منك لم تر قط عين***وأحسن منك لم تلد النســـــــــاء
خلقت مبرأ من كل عيـــــــــــــب*** كأنك خلقـــــــــــــــــــــــت كما تشاءوهو الرحمة المهداة، بصر بطريق الخير و بشر بما أعد الله لمن أطاعه وأنذر من الشرك وجميع الشرور، صلى عليه الله وملائكته إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما 12 ، وجعل هذه الصلاة مقرونة بالصلوات المفروضة.
ثمار محبته عظيمة في الدنيا حيث هي عون على الطاعة وسكن للنفس وفي الآخرة تلحقنا به كما أخبرنا بذلك صلى الله عليه و سلم فيما رواه البخاري ومسلم رحمهما الله: “المرء مع من أحب”.
ثاني هذه الروافد:
محبة كلام الله الذي تكلم به وأنزله على رسوله صلى الله عليه و سلم، محبة تتجلى في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وتدبر معانيه، وتعلمه وتعليمه، وبذل الجهد في تبليغ ولو آية منه، و الوقوف عند نواهيه، و تطبيق أوامره، و الصدع بالحق الذي جاء به.
ثالث هذه الروافد:
الغيرة على محارم الله تعالى فهو المحبوب الذي لا نرضى أبدا أن تنتهك محارمه، “ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه”، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يغضب لشيء غضبه لانتهاك محارم الله، وعلى كل مؤمن أن يكون شديد الغيرة على انتهاك محارم الله حبا فيه سبحانه واتباعا واقتداء بسيد الخلق أجمعين، و أضعف الإيمان أن يكون محل هذا الغضب وهذه الغيرة القلب.
رابع هذه الروافد:
الحرص على ولاية الله تعالى حتى أدخل في زمرة أوليائه الذين قال فيهم عز وجل بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا و كانوا يتقون 13 ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى قال: “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، و يده التي يبطش بها، و رجله التي يمشي بها، و لئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”.
و اعلم أن الله إذا أحب عبدا قربه منه بدفع الشواغل و المعاصي عنه، و رفع الحجاب عن قلبه حتى يراه بعين قلبه، و تولي ظاهره وباطنه وسره و جهره، و جعل له واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه، وألقى محبته في قلوب جميع خلقه.
خامس هذه الروافد:
حب الصالحين والأخيار من عباد الله لحب الله إياهم، فكل محاب المحبوب هم من المحبوبين، و الأنس بهم والشوق إليهم وسماع حديثهم.
سادس هذه الروافد:
التقرب إلى الله تعالى بالإكثار من النوافل صلاة وصياما وصدقة وزكاة وحجا وكل أعمال البر والخير طمعا في رحمته وفيض كرمه.
سابع هذه الروافد:
تقديم حب الآخرة على حب الدنيا والاستعداد للقاء المحبوب في أبهى صورة وأحسن عمل، فإن العزوف عن الدنيا من شأنه أن يجعل الشوق للقاء الله تعالى في قلبك متقدا وهاجا يحملك على ذكره الدائم وعدم الغفلة عنه سبحانه.
ثامن هذه الروافد:
تمني الشهادة في سبيل الله وعدم العود في هذا البيع وهذه الصفقة الرابحة، قال الله تعالىّ: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون و يُقتلون 14 .
اللهم زدنا محبة فيك و رغبة فيما عندك.